السبت، 16 مارس 2013

قلب التفهم


الزهور والقمامة
"ليس نجساً أو طاهراً" جزء من سوترا القلب . بوذا


نجساً أو طاهراً. قذراً أو نقياً. هذا هي الثنائية التي تشكل عقلنا. الورود الجميلة التي قمنا بقطفها ليست إلا قمامة. رائحتها التي في منتهى الروعة، منتهى النضارة، كلها تدعم صورة النقاء في ذهننا. العكس هو صندوق القمامة، فرائحتها في منتهى الفظاعة، و مليء بأشياء نتنه.

لكن هذا فقط عندنا تنظر للسطح. إذا نظرت بعمق أكثر سترى أنه فقط خلال خمس أو ستة أيام، الزهرة ستصبح جزء من القمامة. لست بحاجة حتى للأنتظار خمس أيام لترى هذا. إذا فقط تمعنت في الزهرة وتدبرت بعمق، ستستطيع أن ترى هذا من الأن. وإذا تأملت في القمامة ستستطيع أن ترى أنها خلال بضعة اشهر ما ستصبح عليه من خضراوات، ولربما حتى زهور. إذا كنت بستاني متمرس في الزراعة العضوية وتمتلك عين البودي ساتفا -الساعيين للأستنارة من أجل نفع جميع الكائنات-، فعندما تنظر للزهور فأنت ترى القمامة، وعندما تنظر للقمامة فأنت ترى الزهور. الزهور والقمامة هما "كينونة متصلة". فبدون الزهور، لا يمكننا أن نجد القمامة؛ وبدون القمامة، لا يمكننا أن نجد الزهور. هم في حاجة لبعضهم بشدة. الورود والقمامة متساويين. القمامة نفيسه بالضبط مثل الزهور. إذا تأملت في مفهوم النجاسة والطهارة، فسنجد ذات مفهوم (الكينونة المتصلة).

في نص الماجاهيمي نيكايا هناك مقطع قصير من عدة كلمات حول كيف هو العالم. فقرة في منتهى البساطة, ويسهل فهمها، ورغم ذلك في منتهى العمق: (هذا كذالك لأن ذلك كذالك، هذا ليس كذالك لأن ذلك ليس كذالك، هذا على هذه الحال لأن ذلك على هذا الحال.) هذا هو المماثل لسفر التكوين بالبوذية.

في مدينة مانيلا هناك العديد من العاهرات الصغيرات في السن، البعض منهم لا يتجاوز سنهم الرابعة أو الخامسة عشر. هما في غاية التعاسة. هم لم يرغبوا في أن يصبحوا عاهرات. عائلاتهم غاية في الفقر وقد جائوا للمدينة للبحث عن أي عمل، كبائعة متجولة مثلاً، حتى يتمكنوا من جمع بعض المال لأرساله لعائلاتهم. بالطبع هذا لا يحدث فقط في مانيلا، لكن أيضاً في هوتشي منه في فيتنام، في نيو يورك وفي باريس أيضاً. ففي المدن يسهل جمع المال عن القرى، وبالتالي يسهل علينا أن نتخيل لماذا فتاة صغيرة مثل هؤلاء الفتيات ذهبت للمدينة لمساعدة أهلها. لكن بعد بضعة أسابيع يتم أقناعها بواسطة شخص ماهر أن تعمل كعاهرة وسوف تجني بالتأكيد مال أفضل مئات المرات مما ستجنيه كبائعة جائلة. ولأنها صغيرة ولا تعرف الكثير عن الحياة فإنها تقبل وتصبح عاهرة. ومن هذه اللحظة وهي تحمل بداخلها الأحساس بإنها غير نقية ونجسة، وهذا يجعلها تعيش في معاناة بالغة. عندما تنظر لفتيات أخرى من نفس سنها، يرتدون ملابس جميلة، وينتمون لعائلات محترمة، يملئها شعور غامر بالبؤس، وتتحول مشاعر النجاسة إلى جحيمها الخاص.

لكن إذا واتتها الفرصة لتقابل أفيلوكيتاشفارا-بوذى الذي يرى كل شيء بعين الحب والشفقة- سيطلب منها أنت تنظر لنفسها وللموقف بأكمله بعمق أكثر، لتدرك إنها على هذه الحال لأن الأخرين على هذا الحال (هذا كذالك لأن ذلك كذالك)، فكيف لمن يُطْلَق عليها فتاة محترمة من عائلة محترمة أن تشعر بالفخر؟ لأن نمط حياتهم بهذه الطريقة، فأن على فتيات أخريات أن يعشنا بالحال التي هم عليها. لا أحد فينا نظيف اليد. لا أحد فينا يستطيع أن يدعي إنه هذا الوضع ليس مسئوليته. الفتاة التي في مانيلا على هذه الحال بسبب الحالة التي نحن جميعاً عليها. بالنظر إلى حياة العاهرة الصغيرة نستطيع أن نرى كل من هم (لا-عاهرة). وبالنظر لمن هم (لا-عاهرة) وطريقة حياتنا نستطيع أن نرى "العاهرة الصغيرة" هذا يخلق ذلك، وهذا يساعد على وجود ذلك.

دعونا نتأمل في الثراء والفقر. المجتمع الموسور والمجتمع المحروم من كل شيء. ثراء مجتمع لا يحدث إلا على حساب فقر مجتمع أخر. (هذا على هذه الحال لأن ذلك على هذا الحال) الغنى مصنوع من عناصر الـ(لا-غنى)، والفقر مصنوع من عناصر الـ(لا-فقر) بالضبط مثل الورقة البيضاء (التي هي نتاج كل شيء في الطبيعة وبالتالي هي كل ما في الطبيعة من العناصر). إذا علينا أن نكون حذرين. يجب أن لا نأسر أنفسنا داخل مفاهيم الأزدواجية، الحقيقة أن كل شيء هو كل شيء اخر. نحن فقط نستطيع أن نكون "متصلي الكينونة". فقط كل ما نستطيعه هو أن "نكون". ونحن مسئولون عن كل شيء يحدث حولنا. إذا تحدث أفيلوكيتاشفارا إلى العاهرة الصغيرة سيقول لها: يا أبنتي، أنظري إلى نفسك وسترين بداخلك كل شيء. ولأن كل شخص أخر على هذه الحال، فأنتي على هذه الحالة. فأنتي لستي الشخص الوحيد المسئول عن هذا، فرجاءً لا تتعذبي. وفقط من خلال القدرة على رؤية الوضع بفهم الكينونة المتصلة لكل شيء تستطيع الفتاة الصغيرة أن تجد الحرية من العناء والشقاء. وماذا أيضاً تستطيع أن تقدم لها؟
-------------------------------------------------------
قلب التفهم
تأليف الرشح لجائزة نوبل للسلام
الراهب الفيتنامي
thich nhat hanh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق