الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سؤال و جواب في إعادة التجسيد



سؤال: هل أنا استمرارٌ لشخصٍ آخر عاش قبلي؟ وهل النظرية البوذية للولادة الجديدة نظرية ميتافيزيقية أم نظرية علمية؟ وقد ذكرتَ أن البوذية منطقية وعلمية، فهل هذا ينطبق على الولادة الجديدة أيضًا؟
الجواب: هناك نقاطٌ عديدة هنا، أولاً كيف نُثبِت أن شيئًا ما علمي؟ وهذا يتولَّد عنه التالي: كيف نعرف الأشياء بطريقةٍ صالحةٍ؟ طِبقًا للتعاليم البوذية يمكن معرفة الأشياء معرفةً صحيحةً بطريقتين: بالإدراك المباشر، وبالاستدلال.
فعن طريق إجراء تجربة في معمل يمكننا التثبت من وجود شيء ما من خلال الإدراك المباشر؛ فنحن نعرفها ببساطة من خلال حواسنا. ومع ذلك فبعض الأشياء لا يمكننا معرفتُها الآن بالإدراك المباشر، ولا بد أن نعتمد على العقل والمنطق والاستدلال. فالولادة الجديدة أمرٌ يتعذَّر إثباتُه جدًّا عن طريق الإدراك الحسي المباشر، رغم أن هناك قصةً عن عالم بوذي منذ وقتٍ طويل مضى في الهند مات، ثم ولد مرة أخرى، وعندئذٍ قال: "ها أنا ذا مرة ثانية." ليبين للمَلِك أن الولادة الجديدة موجودة. وهناك أمثلة عديدة لأناسٍ يتذكرون حياتَهم الماضية، ويمكنهم التعرف على متعلقاتهم الشخصية، أو أناس عرفوهم قبل ذلك.
وإذا وضعنا تلك القصص جانبًا فهناك المنطق المجرَّد للولادة الجديدة، فقد ذكر قداسة الدالاي لاما أنه إذا لم تتوافق نقاط معينة مع الواقع فهو على استعدادٍ لاستبعادها من البوذية. وهذا ينطبق أيضًا على الولادة الجديدة، وحقيقةً لقد صرَّح بهذا البيان أصلاً في هذا السياق، فلو استطاع العلماء أن يثبتوا أن الولادة الجديدة غير موجودة فساعتَها يجب علينا أن نتوقَّف عن الاعتقاد بأنها حقيقة.
ومع ذلك، إذا لم يستطع العلماء إثبات خطأها فذلك لأنهم يتبعون المنطق والطريقة العلمية، التي تنفتح على فهم الأشياء الجديدة، ويجب عليهم استقصاء وجودها من عدمه، ولذا فسيكون عليهم أن يثبتوا عدم وجودها؛ لكي يبرهنوا على عدم وجود الولادة الجديدة، فمجرد القول إن" الولادة الجديدة (إعادة الميلاد) غير موجودة؛ لأنني لا أراها بعيني" ليس إثباتًا لعدم وجودها، فهناك أشياء عديدة موجودة، ولا نستطيع رؤيتُها بأعيننا.
ولو لم يستطع العلماء إثبات عدم وجود الولادة الجديدة فإنه خليق بهم آنئذٍ أن يستقصوا هل الولادة الجديدة موجودةً أم لا، الطريقة العلمية هي أن تفترض نظريةً معتمدة على بياناتٍ معينة، ثم تختبر هل من الممكن إثبات صلاحيتها، ولهذا فنحن ننظر إلى البيانات.
فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن الأطفال لا يُولَدون مثل شرائط كاسيت فارغة، فلديهم عادات معيَّنة وسمات شخصية يمكن ملاحظتُها، حتى وهم صغار جدًّا. فمِن أين تأتي هذه العادات وتلك السمات؟
ليس هناك معنى لأن نقول: إنها تأتي فقط من الاستمرارية السابقة للموادِ الطبيعيةِ للآباء، أي من الحيوان المنويِّ والبويضة؛ إذ ليس كل حيوان منوي وبويضة يلتقيان في الرحم يصبحان جنينًا. ما الذي يجعل الفرق بين الحالتين: حينما يصبحان طفلاً، وحينما لا يصبحان كذلك؟ ما الذي يسبب فعلاً العادات والغرائز المتباينة لدى الطفل؟ يمكن القول إنه الحمض النووي والجينات، وهذا هو الجانب المادي. لا أحد ينكر أن هذا هو المظهر المادي لكيفية خلق الطفل، ورغم ذلك، ماذا عن جانب الخبرة والتجربة؟ كيف نبرر العقل؟
الكلمة الإنجليزية mind لا تعطي المعنى نفسه الذي يعطيه المصطلحان السنسكريتي والتبتي اللذان يفترض ترجمتهما. ففي اللغات الأصلية يشير "العقل" إلى النشاط الذهني، أو الأحداث الذهنية، أكثر من إشارته لشيءٍ ما يفعل هذا النشاط.
فالنشاط أو الحدث هو النشأة المعرفية لأشياء معينة - أفكار ومشاهد وأصوات وانفعالات ومشاعر، وهلم جرًّا - والمشاركة المعرفية معها، برؤيتها وسماعها وفهمها، بل حتى عدم فهمها. هذان المَعْلَمان المميزان للعقل، وعادة ما يُترجمان: "وضوح"، و"إدراك"، غير أن الكلمتين الإنجليزيتين "clarity" و"awareness" أيضًا خادعتان.
من أين يأتي هذا النشاط العقلي لنشأة الأشياء المعرفية والمشاركة فيها في كائن مُتفرِّد؟ هنا نحن لا نتحدث عن المصدر الذي أتى منه الجسد؛ إذ إنه من الواضح أنه مِن الأبوين. ونحن لا نتحدث عن الذكاء وغيره؛ لأننا أيضًا يمكن أن نتعلَّل بأن هناك أساسًا جينيًّا لذلك. ومع ذلك فمن باب المبالغة أن نقول: إن تفضيلَ شخصٍ للآيس كريم بالشيكولاته يأتي من جيناته الوراثية.
يمكننا القول إن بعض اهتماماتنا قد تتأثر بعائلاتنا، أو بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي نحن فيه، وهذه العوامل قطعًا لها تأثير، لكنه من الصعب أن نفسر بصورة مطلقة كلَّ شيءٍ نفعله بهذه الطريقة. فعلى سبيل المثال، عندما كنت مهتمًّا باليوغا وأنا طفل فلم يكن أحد من أسرتي أو من المجتمع من حولي كذلك، ولكن كان هناك بعض الكتب موجودة في المنطقة التي عشتُ فيها، لذا يمكنك القول إنه كان هناك تأثير للمجتمع، لكن لماذا كنت مهتمًّا بهذا الكتاب خاصة عن الهاثا يوغا؟ لماذا التقطتُهُ؟ هذا سؤالٌ آخر.
ولنضع كل هذه الأشياء جانبًا، ولنعد إلى السؤال الرئيس: من أين يأتي هذا النشاط العقلي لنشأة الأشياء المعرفية والمشاركة المعرفية فيها؟ من أين تأتي هذه القدرة على الإدراك؟ من أين تأتي شرارة الحياة؟ ما الذي يجعل هذا التمازُج للحيوان المنوي والبويضة ذا حياة؟ ما الذي يجعله إنسانًا؟ ما الشيء الذي يُتاح بنشأة الأشياء؛ مثل الأفكار والمشاهد؟ وما الذي يسبب المشاركة المعرفية فيها؟ ما الجانب التجريبي للنشاط الكيميائي الكهربائي للمخ؟
من الصعب القول بأن النشاط العقلي لرضيعٍ يأتي من والديه؛ لأنه لو كان كذلك فكيف يتأتَّى من والديه؟ يجب أن يكون هناك آلية مشاركة. هل شرارة الحياة - التي تتسم بإدراك الأشياء - تأتي من الأبوين بطريقة الحيوان المنوي نفسها مع البويضة؟ هل تأتي مع النشوة، أم تأتي مع التبويض؟ هل هو الحيوان المنوي، أم هي البويضة؟ إذا لم نستطع أن نصل إلى دلالة علمية منطقية لموعد إتيانها من الوالدين فعلينا حينئذٍ أن نبحثَ عن حلٍّ آخَرَ.
إذا نظرنا بالمنطق المحض نجد أن الظواهر الطبيعية الوظيفية كلها تأتي من استمراريتها هي، أي من لحظاتٍ سابقة لشيء ما في تصنيف الظاهرة نفسه. فعلى سبيل المثال، الظاهرة الطبيعية الفيزيقية - مثل المادة أو الطاقة - تأتي من اللحظة السابقة لهذه المادة أو الطاقة، فهي سلسلة.
خذ الغضب مثالاً؛ يمكننا الحديث عن الطاقة الفيزيقية التي نشعر بها حينما نغضب، هذا أمرٌ، ومع ذلك اعتبر النشاط الذهني للشعور بالغضب هو الشعور بنشأة الانفعال والإدراك الواعي أو غير الواعي له. إن شعورَ المرء بالغضب له لحظاته السابقة الخاصة من الاستمرار داخل الحياة الحالية، لكن من أين أتت قبل ذلك؟ إما أنها أتت من الوالدين، ولا يبدو أن هناك آلية لوصف كيفية حدوث ذلك، أو أنها تأتي من إلهٍ خالقٍ.
ورغم ذلك، فبالنسبة لبعض الناس التناقض المنطقي في تفسير كيفية خَلْق كائن قدير يسبب مشكلة، ولتحاشي هذه المشكلات فإن البديل هو أن اللحظةَ الأولى للغضب في حياة أي إنسان تأتي من لحظتها السابقة الخاصة في السلسلة، ونظرية الولادة الجديدة تفسر هذا تمامًا.
ربما نحاول فهم الولادة الجديدة بتشبيهها بالسينما؛ فكما أن السينما استمرارٌ لإطارات الفيلم، فإن مسارنا الذهني أو تيار العقل هما استمرارٌ للحظات المتغيرة دومًا من إدراك الظواهر الطبيعية خلال الحياة، ومن حياةٍ إلى أخرى. ليس هناك هُوية صلبة يمكن العثور عليها؛ مثل "أنا"، أو "عقلي" الذي يُعاد ولادتُه.
فإعادة الميلاد ليست لا تشبه تمثالاً صغيرًا يجلس على حزام التوصيل، متنقلاً من حياة إلى أخرى. وبالأحرى هو مثل السينما، شيء ما يتغير باستمرار، وكلُّ صورة مختلفةٌ، لكن هناك استمرارية فيها، فالصورة تتعلق بلاحقتها.
وبالمثل، هناك استمرارية للحظات إدراك الظواهر الطبيعية، حتى لو بعض هذه اللحظات غير واعية. وعلاوة على ذلك، فكما أن كل الأفلام ليست الفيلم ذاته، وعلى الرغم من أنها كلها أفلام، فكل المسارات العقلية أو"العقول" ليست عقلاً واحدًا. هناك عددٌ لا يحصَى من التيارات الفردية لتواصل إدراك الظواهر الطبيعية.
هذه هي الحُجَجُ التي نبدأ بها لنفحص من وجهة نظر علمية وعقلانية، إذا كانت النظرية تعطي معنى منطقيًّا فعندئذٍ يمكننا النظر بجديةٍ أكثر في حقيقة أن هناك أناسًا يتذكرون حياتهم السابقة، وبهذه الطريقة نفحص ونستقصي وجود إعادة الميلاد من النهج العلمي.

المرجع : أرشيف برزين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق