الخميس، 9 أغسطس 2012

حرية الفكر في البوذية


إن حرية الفكر التي أجازها بوذا لا نجدها في أي مكان أخر من تاريخ الديانات. هذه الحرية ضرورية في نظره، لأن حرية الرأي في الإنسان ترتبط بفهمه الخاص للحقيقة لا بنعمة منحت له تكرما من إله أو من أية قدرة خارجية كمكافأة على سلوك فاضل أو مطيع.

و إن الحالة الإنسانية سامية بحسب البوذية . فـالإنسان سيد نفسه وليس من كائن أعلى منه ، ولا من قوة تقيم فوقه و تتحكم بمصيره.


و النظرية البوذية عن " تجنب الشر " و " عمل الخير " ليست مبنية على العقاب و الجزاء، بل على ضرورة قمع أطماعنا وتطهير أذهاننا. و لاتمارس البوذية الظغط على الناس وتخويفهم لامتثال المبادئ لأن الخوف يخمد مشاعر العطف و الكرم و يخلق جوا ملائما للخرافات و الغطرسة


ذهن التسامح و التفهم هذا كان منذ البداية أحد المثل السامية الأغلى في ثقافة البوذيين و حضارتهم. لذلك لانجد ولا مثالا واحدا على الاضطهاد، ولا نقطة دم واحدة أريقت في هداية الناس إلى البوذية ولا في انتشارها خلال تاريخها الطويل الذي امتد ألفين وخمسمئة عام. لقد انتشرت في جميع القارة الآسيوية وهي تعد الآن خمسمئة مليون من المريدين .


مر بوذا مرة على مدينة صغيرة اسمها كيزابوتا في مملكة كوسالا ، وكان سكانها يعرفون باسم كالاما . وعندما علموا بأن بوذا موجود عندهم قاموا بزيارته و قالوا له : 

( أيها السيد ، إن نساكا و براهمانا مروا على كيزابوتا ، و عرضوا مذهبهم و عظموا من أمرها ، و أدانوا مذاهب الآخرين و حقروها ، ثم أتى نساك آخرون و براهمانا عرضوا هم أيضا بدورهم مذهبهم الخاصة و عظموها و أدانوا مذاهب الآخرين و حقروها ، أما نحن ، أيها السيد ، فبقينا دائما في الشك و الحرية بين من قال الحقيقة من هؤلاء النساك و البرهمانا المحترمين و بين من كذب )

عندئذ أعطاهم بوذا هذا الرأي الوحيد في تاريخ الأديان : 
( أجل أيها الكالاما ، من الحق أن تكونوا في الشك و الحيرة الآن الشك قائم في موضوع هو أهل لشك ، و الآن أصغوا إلي أيها الكالاما ، لا تدعوا أنفسكم مساقين بروابط و علاقات أو بتقليد أو بما سمعتموه يقال ، لا تدعوا أنفسكم مساقين بسلطة النصوص الدينية 
ولا بالمنطق البسيط أو الاستدلال و لا المظاهر ، ولا برغبة الاعتماد على آراء ، ولا بمشابهات ممكنة ، ولا بفكرة إنه معلمنا ، ولكن أيها الكالاما عندما تعرفون بأنفسكم أن بعض الأمور ليس مناسبة ، مخطئة و سيئة ، عندئذ تخلوا عنها ، وعندما تعرفون بأنفسكم أن بعض الأمور مناسبة و صالحة ، عندئذ اقبلوها و اتبعوها ،)

كما قال بوذا للبهيكهوا إن على التلميذ أن يمتحن حتى بوذا نفسه بالطريقة التي تجعله على تمام الاقتناع بالقيمة الحقيقة للمعلم الذي يتبعه .











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق